لاحظ الأب تغير مزاجية إبنته بالكامل خلال خطبتها ، ساعة يراها سعيدة و ساعة تكون حزينة حد البكاء ، ساعة تجلس وحيدة دون اختلاط بهم أو الحديث إليهم كالمعتاد ، عيناها انطفأت إشراقتها بَهُتت حالها استكان تمامًا ، حتى دخل ذات ليلة عليها و هي تشهق من البكاء فلما سألها قالت : -كلما حلّ الخلاف بيننا قال لي أنتِ سيئة و لا تصلحين لي كزوجة ثم في اليوم التالي يُحادثني و كأن شيئًا لم يكن ! يُهددني لطوال الوقت بتركي و ها هو زواجنا بعد أشهر قريبة . راحت تُكمل بكاءها فيما ضمّها الأب إلى صدره و تركها لأمها التي بدأت بالربت على كتفها و هي تُخبرها أن والدها سيتولى الأمر ،
ثم أرسل له برسالة أن يحضر في الغد للعشاء معهم ليتحدث معه خاصةً أنه يعلم كم تحبه ابنته . حضر الخطيب في اليوم الثاني مساءًا فلما دخل لم يُعرها أي أهمية بسبب مابينهم من خلاف ، فتبدلت معالم وجهها و أحزنها تصرفه القاسې أمام والدها ، طلب والدها أن تُحضر العصير و تأتي للجلوس ، ثم قال بكل رصانة و هدوء ناظرًا بكل تركيز إلى الخطيب -في السادسة من عمر ابنتي عادت من المدرسة باكية لأن زميلة لها دفعتها أرضًا و ضحك على شكلها الجميع دون أن يساعدها أحد ، مسحت دموعها و ذهبت في اليوم الثاني و قُمت بنقلها من تلك المدرسة كيلا تشعر بالحرج أو الضعف من جديد خاصةً أنه لم يُقدر ضعفها أحد و يأخذ بيدها بل ضحك الجميع . ثم أردف قائلًا :- حين دخولها الجامعة كنت أُنهي عملي و أذهب لانتظارها ريثما تنتهي لنعود سويةً كي لا تتعرض لمكروه أو يتعرض لها أحد فأنا أخاف عليها كل الخۏف و أُدللها كل الدلال ، أخشى أن تمر بها نسمة هواء باردة فتصاب بزكام ،
و كل ما أخشاه عليها أن يُصاب قلبها بأذى فقاطعه الخطيب و قد فهم مقصده فأكمل والدها قائلًا :- لم أُعزز ابنتي لطوال عُمرها ليأتي في النهاية رجل يُؤذي قلبها و يُذرف عينها بالدمع كل ليلة ، و يكسر خاطرها و يُحرجها و يقسو عليها أمامي هذا و نحن بالخطبة فماذا بعد الزواج ؟ . أبتلع خطيبها ريقه بصعوبة و لم تُسعفه الكلمات للرد أبدًا . ثم نظر لابنته التي توقعت مايقصده قائلًا :- اخلعي الدبلة فورًا . رأى في عينيها نظرة استعطاف ألا يفعل ذلك فقال بكل حزم : - أعلم أنها المرة الأولى التي أُرغمك فيها على شيئ لكن من لا يعرف قيمتك و يهددك بالرحيل لا يستحقك أبدًا . أنهى كل شيئ في هذه الجلسة و هو يعي تمامًا أن ابنته ستحزن لبعض الوقت لكن تبكي لبعض وقت خيرًا من أن تحزن عمرًا كاملًا مع رجل لا يُقدرها بل وربما يتركها وقتما يحلو له ! . "لا عز كعِز الأب ولا دلال بعد دلاله " ونعم الأب الحكيم. الله يرحم أبي ويرحم مۏتانا و اموات المسلمين.